رأي وحوار

دروس من “حكايات شهرزاد” في عصر “فيسبوك”

بقلم: د.عمار بكار، الرئيس التنفيذي لشركة Y2D

كلنا نعرف حكايات ألف ليلة وليلة، حين كان على “شهرزاد” أن تمتع “شهريار” كل يوم بقصة جديدة حتى لا يمل منها ويتركها إلى غيرها، في أجواء لا تختلف عن أجواء مسلسل “حريم السلطان” حيث تتسابق كل الجميلات على كسب انتباه “شهريار” ومحبته. كل الجميلات اللاتي سبقن “شهرزاد” بذلن كل حيل الأنثى في كسب محبة “شهريار”، ولكنهن فشلن، ودفعن ثمن الفشل، ونجحت “شهرزاد”، ليس لأنها جميلة أو تحسن أي فن من فنون كسب قلوب الرجال، بل لأنها تروي له حكاية ممتعة كل يوم.

هذه القصة في رأيي تعلمنا بالضبط كيف يمكن لشخص أن يحقق الانتشار في عصر الشبكات الاجتماعية، فمن بعد عصور طويلة من ندرة المعلومة، وبذل الجهد للوصول إليها، صار آلاف الأشخاص يبحثون عن إمتاعنا، ورضانا، وانتباهنا، وهذا الأمر سيزداد خلال السنوات العشر القادمة بشكل يصعب على غير المتابع تخيله، بحيث ستصبح خياراتنا من المعلومات والترفيه والتواصل مع الآخرين عبر الموبايل أو الإنترنت أو التلفزيون الذكي أكثر بكثير مما نستطيع تحمله. إن ما يحصل على “تويتر” أمر مثير للتأمل، فنحن كلنا نعيش في دوامة محاولة كسب قلوب الآخرين وانتباههم من خلال رسالة قصيرة نكتبها في أي اتجاه كان.

بقدر ما لهذه الوفرة والتكاثر النووي السريع لمصادر المعلومات من فائدة للجمهور؛ فإنها تعني أن الراغب في الانتشار عليه أن يعيش تحديا مع آلاف المنافسين الأذكياء، وهذا التحدي بالنسبة للشركات سيكون أيضا أمرا مرعبا، لأن العلامات التجارية تريد أن تصل لقلب الجماهير وسط هذه الغابة المتشابكة من المعلومات والرسائل التي يتلقاها الجمهور، وهي لا تعرف تماما كيف سيمكنها فعل ذلك. الجواب بالنسبة للمشكلة هو تماما ما توصلت إليه “شهرزاد” يوما، وهو أن تكون لديك حكاية، قصة ممتعة، أمر يشد الجمهور إليك ويجعلهم يقرؤون عنك.

لو تأملت في الشباب الذين يحققون انتشارا واسعا على الشبكة الاجتماعية ستجد أنهم يعتمدون على الكوميديا، أو على المعلومة والتعليق ذي القيمة، أو أنهم نسجوا حكايات من أنفسهم، تستمر يوما بعد يوم، ويتابعها من يحبهم. الشركات بالمقابل ما زالت بعيدة عن فهم هذا الشيء.

خلال العام الماضي، اجتمعت مع عشرات الأشخاص الذين يمثلون شركات ومؤسسات حكومية ومشاريع، ورأيت عشرات التجارب العربية الأخرى، وأغلبها تدلك على شيء واحد: ما زالت المؤسسات التي تبحث عن جماهير على الشبكات الاجتماعية ـ بما فيها “يوتيوب” طبعا ـ غير قادرة على تقديم حكاية، على إمتاع الجمهور، على تقديم معلومة، على أن تتحول إلى حكاية يتابعها الناس، وما زالت لم تفهم طبيعة العصر الجديد، وتظن أن وضع صفحة على “فيسبوك” أو حساب على “تويتر” سيقدم لها ما تريد.

هناك تجارب ناجحة على “تويتر” لبعض الشركات السعودية، التي صارت تقدم دعما للجمهور عبر هذا الحساب، وهذا أمر مميز ويستحق كل ثناء، ولكنه يعني باختصار أنني إذا لم أكن عميلا للشركة أو لا أحتاج للدعم الفني وخدمة العملاء، فأنا لن أستمع لهم ولن يكونوا جزءا من حواراتي اليومية، ولذا بالرغم من العدد الهائل لمتابعي هذه الشركات على “تويتر”، فإنك من النادر جدا أن ترى “ريتويت” لرسالة كتبوها.

هذا التحدي الضخم في عصر الشبكات الاجتماعية أفرز تخصصا جديدا في التسويق ما زال في بداياته الأولى واسمه “التسويق عبر المحتوى” Content Marketing أي أن تتحول المؤسسة، أيا كان نوعها، لمنتج للمحتوى والمعلومات والفيديوهات، التي تروي حكاية ممتعة تجذب الجماهير كل يوم، أي باختصار أن تلعب دور “شهرزاد” مع “شهريار”، والفوائد بالنسبة للمؤسسات هي ثلاث فوائد رئيسية:

1- بناء قاعدة جماهيرية ممن قد ترغب المؤسسة بالتواصل معهم عندما تحتاج إليهم، بمعنى خلق جمهور يشارك يوميا في الحوار حول موضوع معين، ويكون جاهزا لتلقي رسائل المؤسسة التجارية والإعلانية. مثلا شركة غذائية تؤسس صفحة على “فيسبوك” لنصائح الغذاء والحمية، وتديرها بشكل إعلامي احترافي محايد، فيتكون الجمهور الذي يبحث عن هذه المعلومات، وعندما تحتاج الشركة الغذائية، تعلن على هذه الصفحة عن منتجاتها، لجمهور تعرف أنه يهتم بالغذاء، ويؤمن بمصداقية الصفحة، ويعود إليها بشكل روتيني.

2- إيجاد موضوعات يتحدث فيها الشخص العادي مع المؤسسة بشكل يومي، ويكون هناك تفاعل بينهم، بحيث تتحول المؤسسة إلى حكاية بحد ذاتها. تخيل مثلا لو أرادت “أرامكو” أن تقوي نفسها على الشبكات الاجتماعية، فلن يمتعنا أن نحاور “معرف أرامكو” على “تويتر” عن عمليات إنتاج النفط وإدارة المشاريع التي تقوم بها “أرامكو”، ولكن سيمتعنا لو كان الحوار اليومي والمعلومات التي يقدمها المعرف عن أمور لها قيمة كبيرة في حياتنا مثل كيفية توفير الاستهلاك اليومي للبنزين والكهرباء، أو كيفية إدارة المشاريع بفعالية كبيرة.

3- أن ترتبط العلامة التجارية في ذهن الجمهور بالاهتمام به وبحياته اليومية بدلا من التركيز على المؤسسة ومنتجاتها وخدماتها.

هناك تجارب عالمية رائعة في هذا المجال، وسأتعرض لها في مقال قادم إن شاء الله.

خاتمة: “وأدرك “شهرزاد” الصباح فسكتت عن الكلام المباح”!

زر الذهاب إلى الأعلى